بقلم طارق أسامة محمد – طالب بمدرسة المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا «ستيم» بالشرقية

لم يخطر ببالي يومًا أنني سأكتب عن البيئة أو أتحدث عن التغير المناخي. لم أكن ناشطًا بيئيًا، ولم أشارك في مؤتمرات أو ندوات. كنت مراهقًا يعيش في مدينة مزدحمة، يتنقل بين المدرسة والدروس والمنزل، يقضي وقتًا على الإنترنت ويخرج مع أصدقائه. لكن شيئًا ما تغيّر داخلي، وبدأت أنظر إلى العالم من حولي بعين مختلفة

حين شعرت أن الحرارة تتكلم

كان صيف عام 2023 هو نقطة التحول. شعرت أن الجو أصبح خانقًا بطريقة غير مألوفة. لم تكن الحرارة مجرد مرتفعة، بل مرهقة للأعصاب. انقطعت الكهرباء أكثر من مرة، ولم تعد المراوح تجدي نفعًا. كل شيء بدا غير طبيعي. في البداية ظننت أنها موجة حر عابرة، لكنها طالت واستمرت، وأثّرت على نومي ومزاجي وتركيزي في الدراسة. تساءلت: لماذا أصبح الصيف بهذا الشكل؟ هل هذا طبيعي؟ ومن هنا، بدأت رحلتي الصغيرة لفهم ما يجري

أسئلة قادتني إلى الوعي

بدأت أقرأ عن التغير المناخي، عن ظاهرة الاحتباس الحراري، عن انبعاثات الكربون وذوبان الجليد في القطبين، وتأثير كل ذلك علينا هنا في مصر. أدركت أن الموجات الحارة التي نعيشها ليست مجرد مصادفة، بل نتيجة عقود من الإضرار بالبيئة. واكتشفت أن ما يحدث في العالم لم يعد بعيدًا عني كما كنت أظن. كلما قرأت أكثر، زاد فضولي، وبدأت ألاحظ تفاصيل كنت أتجاهلها: النفايات المتراكمة في الشارع، الاستخدام المفرط للبلاستيك، إهدار الماء والكهرباء. كنت أشعر أحيانًا بالعجز، لكنني قررت أن أبدأ، ولو بخطوة صغيرة

من وعي داخلي إلى ممارسة يومية

كانت الخطوة الأولى بسيطة: استخدمت زجاجة مياه قابلة لإعادة الاستخدام بدلًا من شراء زجاجات بلاستيكية يوميًا. ثم بدأت أرفض أخذ الأكياس البلاستيكية من المتاجر إن لم أكن بحاجة إليها. حاولت فرز القمامة في المنزل قدر الإمكان، وأصبحت أطفئ الأنوار متى لم أكن بحاجة إليها.بدت هذه التصرفات تافهة في البداية، لكنها شكّلت بداية شعوري بالمسؤولية. لم أعد متفرجًا، بل أصبحت، ولو بقدر بسيط، شريكًا في حماية البيئة

صورة اللوحة التي قمت بعملها في مدرستي بعد ما رأيت الإهمال في نظافة الأماكن وحماية البيئة

التجربة في المدرسة

في أحد دروس مادة الدراسات الاجتماعية، طُرحت قضية التغير المناخي. وجدت نفسي أشارك أكثر من المعتاد، أتكلم بحماسة عمّا قرأته، وأشرح لزملائي كيف يؤثر التغير المناخي على حياتنا اليومية. اقترحت تنظيم نشاط بسيط للتوعية داخل المدرسة. صممنا ملصقات وكتبنا عليها نصائح مثل: “لا تهدر الماء”، “استخدم زجاجة قابلة لإعادة الاستخدام”، “ازرع نبتة في منزلك”، “تجنّب البلاستيك أحادي الاستخدام”. لم يكن الأمر كبيرًا، لكنه كان خطوة نزرع بها بذرة. ضحك بعض الزملاء وقالوا إن هذا لن يغيّر شيئًا. لكنني لم أكن أحاول تغيير العالم دفعة واحدة، بل كنت أؤمن أن التغيير يبدأ بشخص واحد

الإنترنت كأداة تعلم، لا مضيعة وقت

بدأت أستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مختلف. تابعت حسابات بيئية على إنستغرام ويوتيوب، وشاهدت مقاطع تشرح كيف نحمي البيئة بأساليب بسيطة. أعجبتني فكرة الزراعة في المساحات الصغيرة، فقررت أن أزرع نبتة نعناع في شرفة المنزل. اعتنيت بها يوميًا، وسرعان ما شعرت أنني جزء من دورة الحياة. شاركت منشورات بسيطة عن البيئة، وكتبت أحيانًا بعض الملاحظات والتجارب. مرة نشرت منشورًا عن خطورة البلاستيك، ولاحظت تفاعلًا جيدًا. عندها، أدركت أن ما أكتبه قد يصل إلى آخرين ويؤثر فيهم

من الصورة إلى الحقيقة

في شارع ضيق من شوارع حينا الشعبي، التقطت صورة لكومة من القمامة على الرصيف. لم تكن المرة الأولى التي أراها، لكنها كانت المرة الأولى التي شعرت فيها بالعجز والذنب معًا. كيف وصلنا إلى هذا الحد؟ كيف اعتدنا على القذارة حتى صارت خلفية دائمة لمشهد الحياة؟ وقفت طويلًا. لم ألتقط الصورة لتوثيق مشهد سلبي، بل لأبدأ حديثًا ومواجهة. حين نواجه الصورة، لا يمكننا أن نتجاهلها. هذا المشهد دفعني للتفكير في حلول، حتى وإن كانت بسيطة: أن أتكلم مع الجيران، أن أبحث عن جمعيات تنظم حملات نظافة وتشجير، أن أشارك في توعية مدرستي. ما يحدث في الشارع ليس فقط مسؤولية الحكومة، بل مسؤوليتنا جميعًا. هذه القمامة انعكاس لغياب الحوار المجتمعي، وغياب التربية البيئية، وفقدان الإحساس بأن المكان مكاننا. وإن لم أملك سلطة تنظيفه، فأنا أملك الكلمة والصوت والمشاركة. وهذا أضعف الإيمان، لكنه بداية الطريق

صورة بداية إنطلاقي مع الجمعيات الخيرية في حملات تنظيف الشوارع وحملات التشجير

البيئة ليست قضية النخبة فقط

أدركت أن كثيرًا من الناس لا يعارضون حماية البيئة، لكنهم ببساطة لا يعلمون. المشكلة ليست في اللامبالاة، بل في غياب التوعية. حين تحدّثت مع عائلتي عن فرز القمامة أو تقليل استهلاك الماء، لم يرفضوا، بل كانوا فقط بحاجة إلى توضيح.
البيئة ليست شأن العلماء أو السياسيين أو النشطاء فقط، بل قضية كل فرد يعيش على هذا الكوكب. حين ندرك أن كل تصرف صغير نقوم به يؤثر على البيئة، نبدأ بالتغيير

التغير المناخي يطرق أبوابنا

من السهل أن نعتقد أن التغير المناخي يحدث في أماكن بعيدة. لكنه في الحقيقة يعيش معنا. في مصر، تراجع الإنتاج الزراعي بسبب اضطراب الأمطار وارتفاع الحرارة. الصيادون يواجهون تحديات بسبب تلوث البحر. حتى نحن في المدينة نشعر بتغير الطقس، بتقلّب الفصول، وبارتفاع أسعار الغذاء. كل هذا مرتبط بما نفعله بالكوكب، وبالقرارات التي نتخذها كأفراد ومجتمعات

ماذا بعد؟

أريد أن أستمر في التعلم، وأن أشارك في ورش بيئية أو حملات توعية. أرغب في زيارة مراكز لإعادة التدوير، والتعرف إلى مشروعات تنموية تحمي الموارد. أحلم بأن أكتب يومًا ما دليلًا بسيطًا للشباب من جيلي يوضح كيف يمكنهم المساهمة في حماية البيئة. أنا لا أدّعي أنني خبير، ولا أنني أنقذت العالم، لكنني أدركت أنني لست صغيرًا على إحداث فرق. التغيير يبدأ بالوعي، والوعي يبدأ بسؤال

رسالة لمن يقرأ هذه الكلمات

قد تكون في مثل سني، أو أكبر، أو أصغر. قد تكون طالبًا أو عاملًا أو رب أسرة. في كل الأحوال، لا تنتظر أن يأتي التغيير من الخارج. كن أنت البداية. استخدم ما لديك. خذ خطوة واحدة: قلل من استخدام البلاستيك، ازرع نبتة، تحدث مع أصدقائك، شارك منشورًا هادفًا. لا تستهِن بهذه الأفعال الصغيرة، فهي التي تُراكم الأثر. الأرض لا تحتاج إلى أبطال خارقين. كل ما تحتاجه هو أناس عاديون يمتلكون الوعي، ويؤمنون بالمسؤولية

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر المؤلف فقط، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر جهة النشر، وهي شبكة تنمو






		            
POSTED BY Saker | أغسطس, 10, 2025 | غير مصنف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *