محمد بابكر
صورة لأطفال يدرسون باضواء الشموع بسبب قطع التيار
أُنتجت هذه المادة ضمن “ورشة الكتابة الصحفية عن القضايا البيئية وتغير المناخ في العالم العربي” بالتعاون بين شبكة تنمو ومؤسسة جرينش وبتمويل من مؤسسة فريدريش إيبرت. الآراء الواردة في هذه المادة تعبر عن كاتبها وليست بالضرورة تعبر عن الجهات المنظمة والداعمة لورشة الكتابة.
صارت وفاة سودانيين نتيجة انقطاع التيار الكهربائي أمراً روتينياً في البلاد، مع تفاقم أزمة الكهرباء التي تعاني منها ملايين الأسر و المؤسسات السودانية، بما فيها المدارس و المصانع و حتى المستشفيات.
تقول مديرة إحدى المستشفيات السودانية الحكومية للعربي الجديد إنهم يضطرون أحيانا إلى إغلاق المستشفى بسبب عدم توفر الكهرباء، والوقود الخاص بالمولد، تضيف أن هناك قلقاً كبيراً من تسبب نقص التيار الكهربائي في تقويض قدرات المستشفيات، مما يعرض حياة الناس للخطر.
مصادر طاقة مهدرة
يعد السودان من ضمن أكثر دول أفريقيا جنوب الصحراء تمتعاً إشعاع شمسي يومي يقدر بحوالي(5.8-7.2) كيلواط ساعة لكل متر مربع، كما يتمتع بمقدار لا يستهان به من طاقة الرياح، إضافة إلى الطاقة الحرارية الجوفية التي تتوفر في الولاية الشمالية، تحديداً في منطقة بيوضة.
شكل (1) امكانات الطاقة المتجددة بالسودان
خريطة توضح مقدار الإشعاع الشمسي الذي يتمتع به السودان
خريطة توضح مقدار طاقة الرياح التي يتمتع بها السودان
إضافة إلى كون السودان، أحد دول حوض نهر النيل، والذي يوفر له كمية كبيرة من المياه سنوياً، وهي كمية من شأنها توليد طاقة كهربائية بأسعار معقولة.
إلا أن الواقع أن 6 سودانيين فقط من بين كل عشرة سوداني يتمتعون بتيار كهربائي (1)، وحتى تلك المناطق، تتأثر فيها الأسر و الشركات بانقطاع التيار فيها بوتيرة متزايدة ولفترات قد تدوم طوال اليوم.
وتفاقمت الأزمة مع دخول النزاع العسكري المسلح الأخير شهره الرابع، مخلفاً آثاراً جسيمة لحقت بالبنية التحتية لقطاع النفط و الكهرباء، اللذان تتركز معظم منشآتها في مدينة الخرطوم، بؤرة الصراع العنيف، إلا أن الحرب ليست السبب الرئيسي وراء الأزمة، فالقطاع يعاني هشاشة تعود إلى عدة عوامل:
ضعف سياسة الطاقة
تمتلك السودان واحدة من أكبر شبكات الكهرباء في أفريقيا جنوب الصحراء، إلا أنها لا تصل أجزاءً واسعة من البلاد، مثل إقليم دارفور (غرب السودان) الذي عانى من التهميش لعقود من الزمن، نتيجة للإضرابات السياسية التي شهدها الإقليم و الحروب التي اندلعت بين المعارضة المسلحة هناك و الحكومة المركزية، بحسب مراقبين.
ومع اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إبريل الماضي في العاصمة السودانية الخرطوم، أصابت قطاع الطاقة في مقتل، بتضرر العديد من محطات توليد الكهرباء، في ظل شح في الوقود بسبب انقطاع سلاسل الإمداد، ما ترك آلاف المواطنين في ظلام دامس، ودفعهم اللجوء لطرق بدائية كحرق الفحم النباتي و الحطب لأجل الحصول على أبسط احتياجاتهم المتمثلة في الطعام.
ضعف التمويل
يلقي الاقتصاد المتدهور في السودان بظلاله على قطاع الطاقة، خاصة مع الارتفاع النسبي لإنشاء محطات توليد الكهرباء من الطاقة النظيفة، مقارنة بتلك المعتمدة على مصادر أخرى.
ومع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان من 1997 حتى 2019، لم تستطع الحكومة السودانية الحصول على تمويل من جهات تمويل دولية كالبنك الدولي، لإنشاء مشاريع الكهرباء الخاصة بها، وزاد الأمر سوءً بعد التدهور الاقتصادي الذي تبع انفصال جنوب السودان الغني بالنفط.
وحتى مع وجود اختيار أقل تكلفة في إنشائه، وهي محطات الطاقة الحرارية التي تعتمد على المصادر التقليدية للطاقة كالفحم أو المشتقات البترولية، فهي تحتاج لمصاريف تشغيل مرتفعة نسبيا لاعتمادها على الوقود الأحفوري.
وأشار خبراء من البنك الدولي الى أن توليد الكهرباء يستحوذ على الحصة الأكبر من إجمالي الوقود الذي يستهلكه السودان حيث وصل في عام 2017 إلى 40% من قيمة الوقود الذي الذي استهلكه السودان، والذي يقدر بـ 5.1 مليون طن من المنتجات النفطية، لذا فقد تأثرت كمية الكهرباء المنتجة من المحطات الحرارية بشكل كبير جراء نقص التمويل.
الأمر الذي يؤكده تصريح مسؤول في الشركة السودانية للكهرباء، رفض ذكر اسمه، لوكالة الأنباء “رويترز” أن السلطات لا يمكنها استيراد الوقود الكافي أو دفع مصاريف صيانة محطات الكهرباء وتوفير قطع الغيار لها.
الاعتماد على مصدرين فقط من مصادر الطاقة:
حسب تقرير للبنك الدولي (2019)، فان أكثر من 90% من كهرباء السودان تأتي من مصدرين مكلفين من حيث مصاريف التشغيل، الأول هو التوليد المائي، بإجمالي سعة إنتاجية (2000)ميغاواط، تنتجها عدد السدود، وتعتبر من مصادر الطاقة النظيفة نسبيا، إلا أنها مازالت لها بعض الأضرار البيئية التي تتمثل في زيادة نسبة التبخر، وإعاقة هجرة الأسماك ويغير طبيعة مجاري الأنهار ما ينعكس سلبا على المجتمعات الانسانية و الحيوانية التي تسكن جوارها.
المصدر الثاني هو التوليد الحراري، بسعة تبلغ (1460) ميغاواط، تتوزع على عدد من المحطات الحرارية، ويشكل التوليد الحراري ما نسبته 52% من الكهرباء المنتجة في البلاد، بحسب تقرير للبنك الدولي 2019. وتنتشر محطات التوليد الحراري بصورة أكثر كثافة في إقليم دارفور وولايات كردفان، وأغلب هذه المناطق تقع خارج نطاق إمداد الشبكة القومي للكهرباء السودانية.
وتعتبر تلك المحطات ذات اعتمادية عالية إذا ما تم مقارنتها مع أنواع المحطات الاخرى، فهي تمتاز بسهولة الدخول في الشبكة، ولا تتأثر بصورة مباشرة بالطقس والعوامل الجوية، ولا تحتاج لمساحات كبيرة لإنشائها.
إلا أن معظم محطات التوليد الحراري في السودان تعتمد على مواد ذات انبعاثات كربونية مرتفعة، مثل: البترول الخام، زيت الديزل الخفيف، الفحم الثقيل، المازوت الثقيل، مما يساهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري و التغير المناخي، ويعتبر التوليد الحراري مكلف بالمقارنة بمحطات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، والتي تكلف نصف ما تكلفه محطات التوليد الحراري.
وفي مسعى من المهندسين و العلماء لرفع كفاءة التوليد الحراري تم تطوير العديد من التكنولوجيات التي تساعد في تقليل كمية الوقود المستهلك و بالتالي تقليل الانبعاثات, و تعتبر المحطات الهجينة إحدى تلك التكنولوجيات و التي تم تطبيقها في محطة الفاشر الشمسية الهجينة.
الجدول (1): منشآت التوليد حتى 2019
المصدر:البنك الدولي
جهود نحو استغلال الموارد النظيفة
أغلب الطاقة النظيفة التي تحصل عليها السودان حالياً، تأتي من التوليد المائي الذي يعتمد بشكل كبير على مياه نهر النيل، وهو مورد قد يتأثر بصورة كبيرة نتيجة التغير المناخي الذي يشهده الكوكب، بحسب دراسات.
الشكل(2): القدرة المركبة للطاقات المتجددة في 2021
الأزرق: الطاقة المائية – الأصفر: الطاقة الشمسية – الأخضر: الحيوية
المصدر: IRENA
ومنذ العام 2020 و حتى الآن نمى سوق الطاقة المتجددة في السودان بصورة ملحوظة، فقد وصل مقدار القدرة المركبة من الطاقة الشمسية إلى 200 ميغاواط، توزع بين المشاريع الكبيرة التي تضم محطات مثل الفاشر، بقدرة 5 ميغاواط، ومحطة أسمنت الشمال بقدرة 54 ميغاواط، و مشاريع المحطات الصغيرة المنفصلة عن الشبكة التي تنتشر على أسطح المنازل.
وعلى مستوى التشريعات و القوانين فقد تم في 2023 صياغة قانون صافي القياس الذي يسمح للمستهلكين بامتلاك وحدات طاقة شمسية وبيع فائض إنتاجهم من الطاقة لمشغل الشبكة. إلا أن الأزمة الحالية تعكس حاجة البلاد لتغيير حقيقي على مستوى إدارة ملف الطاقة، باتجاه متنامي تجاه الطاقة النظيفة لتوليد الكهرباء.
0 تعليق
اترك تعليقاً