محمد حسني

صورة من جوجل، ٢٠٢٤

أُنتجت هذه المادة ضمن “ورشة الكتابة الصحفية عن القضايا البيئية وتغير المناخ في العالم العربي” بالتعاون بين شبكة تنمو ومؤسسة جرينش وبتمويل من مؤسسة فريدريش إيبرت. الآراء الواردة في هذه المادة تعبر عن كاتبها وليست بالضرورة تعبر عن الجهات المنظمة والداعمة لورشة الكتابة.

استنزاف الموارد الطبيعية في مصر، ليس محصوراً فقط على منطقة الدلتا، ولكنه حاضر خلال جهود البحث واستصلاح في الصحراء الغربية، ومنها مشروع شرق العوينات، على الحدود بين مصر والسودان بعيدا عن كل مظاهر العمران. حيث تحظى تلك المنطقة شديدة الجفاف، بخزان جوفي قديم، يسمى خزان الحجر النوبي، الذي قد يكون مهدداً نتيجة التوسع في عمليات استصلاح الأراضي حوله.

تزداد صعوبة عملية استصلاح الأراضي، عندما تعتمد على مصدر للمياه، غير متجدد نسبياً، كخزان الحجر النوبي الشاسع، والتي تتشارك فيه 4 دول: مصر، وليبيا، والسودان، وتشاد،  ويقع متوسط تقديرات حجمه بين 60 إلى 150 تريليون متر مكعب، إلا أن الكثير من الدلائل تشير إلى بطء تجدده في أفضل الأحوال.

في أوائل التسعينيات، اختير موقع شرق العوينات على الحدود المصرية السودانية ليكون موقع عمليات استصلاح نحو نصف مليون فدان، مقسمة إلى 22 قطعة، مساحة كل منها نحو 24 ألف فدان، بحيث يتم استصلاح نحو 42% منها، ويتم استخدام باقي القطعة في أغراض غير زراعية: كالصناعات الغذائية، والصوامع، والتخزين، وسكن العاملين، والطرق الداخلية، وغيرها.

بدأ الاستزراع في الموقع منذ عام 1993 بمساحة تقدر بحوالي 3600 فدان، وظلت المساحة كما هي حتى عام 1999، حيث أخذت في الاتساع تدريجياً حتى وصلت إلى 192 ألف فدان، تنتج مختلف المحاصيل من حبوب، وألياف، وخضر نباتات طبية.

لتصبح المنطقة قبلة الاستثمار في مصر، حيث يهدف المستثمرون في المنطقة إلى الربح في الأساس، من خلال زراعة منتجات وتصديرها إلى الأسواق الخارجية، في وجود نحو 10% مخصصة لوزارة الزراعة، تقوم بزراعتها بمحاصيل متنوعة، ويساهم في زيادة جذب المستثمرين إلى المنطقة، اعتماد المشروع على أساليب الزراعة والري الحديثة من زراعة آلية، والري المحوري بالرش، والري بالتنقيط.

خريطة توضح اتساع مشروع شرق العوينات عبر الزمن

تستهلك المساحة الحالية للمشروع، حوالي المليار ونصف المليار متر مكعب سنوياً، في حالة استغلالها للزراعة في الموسمين الصيفي والشتوي، مما يستنزف للخزان الجوفي بوتيرة كبيرة، ويثير القلق حول استدامة المشروع.

ومع الوضع في الاعتبار التأثير الحالي والمستقبلي للتغيرات المناخية، فيشير اتجاه درجات الحرارة خلال الأربع عقود الأخيرة ، إلى ارتفاع ملحوظ في متوسط درجة حرارة سطح التربة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الاحتياجات المائية للمحاصيل الزراعية، أي استنزافاً أكبر لمياه الخزان.

تلك التغيرات تشكل بدورها إجهاداً على المحاصيل المحلية، وبالتالي تسبب انخفاضاً في إنتاجية الفدان الواحد منها، الأمر الذي يستوجب استنباط أصناف تستطيع التكيف مع الإجهادات الحرارية والمائية وتستطيع التكيف مع هذه البيئة الحارة وما حولها.

شكل بياني يوضح درجات الحرارة خلال الفترة (1981-2021)

كل هذه العوامل تجعل من إعادة النظر في المعايير القائم عليها المشروع، والتخطيط لاستدامته أمراً مهماً، وتشمل معايير الاستدامة احترام البيئة، وحماية الموارد الطبيعية، وتأمين دخل عادل وكافي للعاملين،، الذين يواجهون صعوبة مع عدم تطوير أماكن سكناهم، المتمثلة في قرية العين ومدينة شرق العوينات الجديدة، لتكون مجتمعاً عمرانياً متكاملاً لتلبية احتياجاتهم.

إضافة إلى ذلك، فإن استخدام الموارد المحلية وتسخير الطاقات الطبيعية من أشعة الشمس والرياح، جنباً إلى جنب مع التكنولوجيات الحديثة الصديقة للبيئة، يعد ضرورة، مع وصول مساحة الأراضي المستصلحة في المشروع إلى 90% من المستهدف، ما يجعل هذا المشروع استثناءً بين المثير من مشروعات استصلاح الأراضي التي أقدمت عليها عدة حكومات مصرية، في وادي النطرون وغرب طريق مصر اسكندرية الصحراوي، وغيرها.

POSTED BY Saker | أبريل, 09, 2024 | غير مصنف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *