زينة الزين
أُنتجت هذه المادة ضمن “ورشة الكتابة الصحفية عن القضايا البيئية وتغير المناخ في العالم العربي” بالتعاون بين شبكة تنمو ومؤسسة جرينش وبتمويل من مؤسسة فريدريش إيبرت. الآراء الواردة في هذه المادة تعبر عن كاتبها وليست بالضرورة تعبر عن الجهات المنظمة والداعمة لورشة الكتابة.
كان النيل دوما هو المصدر الأساسي للمياه في مصر، فقام المصريون بشق قنوات من النيل لتوزيع الماء إلى الأراضي الزراعية، ثم إعادة مياه الصرف الزراعي إليه، وفي مصر الحديثة، يمثل نهر النيل 96٪ من إمداداتها المائية. ما يجعل مصر أكبر مستهلك لمياه نهر النيل.
يتزايد عدد سكان مصر باضطراد، ومن المتوقع أن يصل إلى 150 مليون نسمة بحلول عام 2050، ما يعني زيادة الاحتياج للموارد المائية، إلا أن وادي النيل المعرض لتأثيرات تغير المناخ، بما في ذلك التصحر، وارتفاع درجات الحرارة، وظروف جوية قاسية، قد يعاني نتيجة هذه العوامل من انخفاض كمية المياه المتوفرة لسكانه، بنسبة تصل إلى 70%.
بالإضافة إلى نهر النيل، وبسبب تغير المناخ أيضاً، هناك توقعات بانخفاض كمية الأمطار بنسبة 10-40% في معظم مناطق مصر بحلول عام 2100، ما يعني حرمان بعض المدن من الإمدادات المائية لفترات طويلة، كما تزيد فرصة حدوث السيول، ما يعرض مناطق سكنية للخطر، والمدن الكبرى كالقاهرة للشلل.
هل تحافظ مدننا على نصيبنا من المياه؟
تعتمد مدننا بشكل كبير، خاصة القاهرة، على عدد كيلومترات هائل من الطرق والكباري، ومساحات أقل من المسطحات الخضراء، تتمركز على الأغلب في النوادي ومسطحات الجولف، وهي نوع من المسطحات الخضراء يستهلك كميات كبيرة من المياه، وهو ما لا يتناسب مع طبيعة مصر الصحراوية ذات مناخ جاف.
ومع منع مواد الأسفلت والخرسانة المسلحة وصول المياه إلى طبقات التربة، وبالتالي التوازن في دورة المياه، تكون النتيجة انعدام التناسب بين شبكة الصرف، وكميات الأمطار الغزيرة التي تشهدها العاصمة المصرية كل شتاء، وتسبب شللاً مرورياً.
اخلال آخر 6 عقود، نخفض نصيب المياه للفرد في مصر من نحو ألفين ونصف الألف متر مربع في عام 1947 إلى نحو 600 متر مربع في عام 2013، ومن المتوقع أن يقل عن خط العجز المائي عالميا (500 متر مربع) عام 2050.
كل هذه العوامل توجب إعادة التفكير في كيفية تصميم مدننا للتكيف مع هذه التغيرات، من سيول وموجات جفاف، وللحفاظ على مصادرنا المائية، عن طريق خفض استهلاك المدن منها، مع إمكانية صرف وإعادة استخدام المياه في حالة السيول.
شبكات المياه في المدن
لا نرى، نحن سكان المدن، مسار المياه بعد استخدامها، لاختفائها في شبكة صرف الصحي، ثم إلى محطات معالجة بعيدة عن مساكننا.
على اختلاف الاستخدام، تجتمع كل المياه الناتجة عن المدينة إلى شبكة الصرف، وتتعرض للمعالجة دون تمييز، بين المياه التي يمكن إعادة استخدامها في ري المساحات الخضراء، على سبيل المثال، والأخرى التي تحتاج معالجة في محطات خاصة. وهو الأمر الذي يفقد مدننا الكثير من المزايا التي يمكن تحصيلها من اتباع أسس أكثر استدامة في تصميم شبكات المياه في المدن، مثل التصميم العمراني الحساس للمياه.
نشأت فكرة التصميم العمراني المراعي للمياه في أستراليا، في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، استجابةً للمشاكل المتزايدة المتعلقة بالمياه. وتتضمن المياه العمرانية مياه الأمطار، ومياه الاستحمام، ومياه الشرب، والمياه الجوفية، ومياه الصرف الصحي، ويربط التصميم الحساس للمياه الحلول التقنية لإدارة المياه بالتصميم العمراني للمدينة والاقتصاد، ويتناول جميع موارد المياه وكيفية تأثيرها على البيئة والمجتمع، لتوفير حلول مصممة خصيصًا لكل مكان على حده.
شكل 1: استخدام النباتات على جانب الطريق لجمع مياه الصرف ومياه الأمطار لفلترتها وتسريبها إلى المياه الجوفية للحفاظ على الموارد المائية الطبيعية (تصوير الكاتب)
يشمل التصميم العمراني المراعي للمياه حلول متعددة، منها فصل مياه الصرف من المباني إلى مياه رمادية يمكن إعادة استخدامها بعد معالجة أولية تكون ناتجة عن الاستحمام مثلاً، وتستخدم بعد معالجتها في زراعة الأسطح والمسطحات الخضراء، ومياه سوداء يجب أن تنتهي في محطات المعالجة.
وتشمل حلول مواجهة الأمطار والسيول في هذا النظام العمراني، على إنشاء مسطحات خضراء في المدينة على امتداد الطرق، تسمح بفلترة مياه الأمطار وتسربها إلى المياه الجوفية للحفاظ عليها من الاستنزاف، كما تشمل مسطحات منخفضة المنسوب ومتعددة الاستخدام، يمكن استخدامها كملاعب ومناطق عامة مفتوحة، بينما تتحول إلى خزانات لمياه الأمطار، وتقوم بحماية الطرق من تراكمها.
كما تشمل الحلول استخدام مواد نافذة للمياه في ممرات الحركة والأماكن العامة والأرصفة لتسمح بأي مياه بالنفاذ إلى التربة.
شكل2: استخدام الاراضي الرطبة لفلترة مياه الصرف وخلق بحيرات ومناظر طبيعية وتحقيق قيمة جمالية في المدن (تصوير الكاتب)
هذه الطريقة في دمج تصميم المدينة مع دورة المياه العمرانية تخلق مساحات متعددة الوظائف، فمن ناحية، تُساهم في زيادة نسبة المساحات المفتوحة العامة في المجتمع ودعم دورة المياه الطبيعية، ومن ناحية أخرى، وتساهم في معالجة المياه ومواجهة الفيضانات والأمطار الغزيرة، وتعمل أيضًا كوسيلة تجميل للفراغات العامة.
يحتاج تخطيط المدن لتكون مراعية للمياه، إلى الجمع بين تخصصات مختلفة وإشراكها في عملية التخطيط والتصميم، ويحتاج هذا الدمج والتواصل إلى مجهود وتواصل أكثر، لكنها سياسة تصب في صالح الحفاظ على مواردنا المائية، وزيادة جودة الحياة بالمدن، إضافة إلى الحفاظ على نصيب ساكنيها من تلك الموارد، خاصة مع التحديات التي نحن على أعتاب مواجهتها نتيجة التغيرات المناخية، وأهمها انخفاض نصيبنا اليومي من المياه، ومواجهة الكوارث الطبيعية كالسيول.
0 تعليق
اترك تعليقاً