سهير الجرمة
أُنتجت هذه المادة ضمن “ورشة الكتابة الصحفية عن القضايا البيئية وتغير المناخ في العالم العربي” بالتعاون بين شبكة تنمو ومؤسسة جرينش وبتمويل من مؤسسة فريدريش إيبرت. الآراء الواردة في هذه المادة تعبر عن كاتبها وليست بالضرورة تعبر عن الجهات المنظمة والداعمة لورشة الكتابة.
تتجدد مخاوف سكان الأودية الجافة في مصر تجدد موسم الشتاء كل عام، مع ترقبهم هطول الأمطار وحجم ومستوى قوة السيول، والتي تتحول إلى خطر يداهمهم نتيجة وجود طوق من المد العمراني، على حافة الأودية الجافة.
ذلك الخوف يبرره الواقع الأليم الذي شهدته المدينة الليبية درنة هذا العام، بالسيول المميت التي واجهتها ما يؤدي إلى تقليص مساحة تدفق المياه، وزيادة احتمالية حدوث فيضانات في تلك الأودية عند هطول أمطار غزيرة ومكثفة. الأمر الذي شاهدنا آثاره المدمرة في مدينة درنة الليبية هذا العام، نتيجة البناء غير المخطط على حواف الوادي.
والأودية الجافة هي عبارة عن مسارات موسمية للمياه تكونت في العصور الجليدية والمطيرة، وتحمل المياه فقط في فصل الشتاء والربيع، وتجف تماما في فصل الصيف.
وتوجد في منطقة شرق القاهرة مجموعة كبيرة من الأودية الجافة التي تتدفق من جبال البحر الأحمر شرقاً، حتى تصب في نهر النيل على حدود حي المعادي غرباً، وأشهرها وادي دجلة، ووادي التيه، الممتدان بين حيّي المعادي وحلوان، بالإضافة إلى وادي حوف ووادي الرشيد ووادي جراوى، وهي وديان قريبة من حي حلوان.
يعد وادي دجلة شرق حي المعادي بالقاهرة أحد أهم تلك المواقع، حيث ازدهرت فيه أهم حضارات مصر السفلى في مرحلة ما قبل التاريخ، هي حضارة وادي دجلة. وهي تسبق عصر الأسرات، وأثّرت في الكثير من الحضارات التي تلتها بإبداعاتها المعمارية والفنية والتجارية. يضم الوادي محمية وادي دجلة (22 كم شرق القاهرة)، وهي مقصد رئيسي للزوار والسياح تم إدراجه ضمن المحميات الطبيعية في عام 1999 بمساحة إجمالية تبلغ نحو 60 كم2، وتضم مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات البرية النادرة.
شهدت منطقة وادي دجلة شرق القاهرة تزايدًا ملحوظًا في التعديات العمرانية خلال السنوات الأخيرة. تتضمن مشاريعاً عمرانية ضخمة، ومجمعات سكنية على أطراف الوادي ودلتاه. تتجاهل هذه المشاريع تأثيرها على البيئة المحيطة، من تدمير المساحات الطبيعية والتنوع البيولوجي، وهو ما يعد انتهاكاً للقوانين والتشريعات البيئية المصرية، إلا أنها أيضاً تجعل خطر السيول يلوح في الأفق. باستخدام نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، نستطيع تقدير حجم التعديات على محمية وادي دجلة بين الفترة 1990 – 2022، بحوالي 4 آلاف متراً مربعاً خلال العشرين عاماً الماضية.
تغير المناخ يضاعف احتمال الأمطار الغزيرة …
تشير الأبحاث العلمية إلى أن التعديات العمرانية على الأودية الجافة قد تؤدي إلى توسيع نطاق الفيضانات وزيادة تكرارها. ما يمثل تهديداً حقيقياً للمناطق السكنية والبنية التحتية المحيطة. إضافة إلى خسائر اقتصادية جسيمة تتمثل في تكاليف إعادة البناء والتأهيل بعد الكوارث الطبيعية.
ويساهم المد الحضري في تكوين ما يعرف بظاهرة الجزر الحرارية، فمع تزايد النمو العمراني والكتلة السكنية في المنطقة، يتغير توزيع الأسطح الصلبة المعرضة لأشعة الشمس، مما يزيد من الحرارة التي تتراكم في المنطقة. هذه الزيادة تعرقل القدرة على التكيف والنمو الطبيعي للنباتات والحيوانات المحلية في هذه المناطق.
ومصر واحدة من البلدان التي تعاني من سيول تكبد الدولة خسائر مليونية، آخرها كان عام 2016، عندما دمرت سيول في منطقة البحر الأحمر وسيناء والصعيد دمرت طرقًا وتجمعات سكنية، وكبدت الدولة ملايين الجنيهات، بخلاف الخسائر في الأرواح.
دروس فيضان “درنة”
شكل فيضان وادي درنة في سبتمبر 2023، حدثاً كارثياً غير مسبوق، فتسببت العاصفة دانيال في فيضان وادي درنة الليبية، مما تسبب في خسارة الآلاف من الأشخاص، وتدمير منازل وممتلكات.
الحادثة تعد نموذجاً لتأثير للتعديات العمرانية على الأودية الجافة على الكوارث الطبيعية. حيث يشير خبراء المناخ إلى أن الفيضانات المشابهة قد تحدث في جميع أنحاء العالم نتيجة للتغيرات المناخية.
خلقت سدود وادي درنة الليبي، والتي صمدت لنحو 50 عاماً، حالة من الاطمئنان لدى الناس، مما دفعهم إلى إقامة مبانٍ وطرق ومنشآت غير مخطط لها على ضفاف الوادي. ومع انهيار السدود بسبب الظروف المناخية القاسية، صار المد العمراني تحت رحمة الكوارث الطبيعية المتمثلة في العاصفة دانيال، الأمر الذي يجعلنا ملزمين بالتفكير في طرق جديدة للتعامل مع السدود والأودية. بعد إثبات الكارثة الليبية أن السدود ليست حلاً مطلقاً للحماية.
0 تعليق
اترك تعليقاً