سلمى اللقاني
أُنتجت هذه المادة ضمن “ورشة الكتابة الصحفية عن القضايا البيئية وتغير المناخ في العالم العربي” بالتعاون بين شبكة تنمو ومؤسسة جرينش وبتمويل من مؤسسة فريدريش إيبرت. الآراء الواردة في هذه المادة تعبر عن كاتبها وليست بالضرورة تعبر عن الجهات المنظمة والداعمة لورشة الكتابة.
يعرّف المختصّون نقاط التحول لأي نظام، بأنها عتبات حرجة قد يؤدي تجاوزها، إلى تغيير كبير في حالة ذلك النظام، وقد يكون لا عودة لتأثيرها. هذا تعريف مهم استهل به قصتي، لتستطيع فهم سياقها.
في 2021، خلال رحلتي اليومية في العبور بالمركب، من جانب النيل في البحر الأعظم للجانب الآخر حيث عملي في جزيرة القرصاية، كان تكويني الداخلي يتغير، فانتقل من شخص إلى آخر، كأني أتغير من نظام لأخر.
كنت أتكيف مع التغيير في محيطي، من باحثة أكاديمية، إلى شريكة للسكان المحليين، وبالأخص السيدات، بعدما قرروا مشاركتي المخاطرة بمشروع لإعادة التدوير.
وفي يناير 2022، تعرضت لنقطة ضغط حرجة، عند تحويل ملكية أرض الجزيرة، بعد القرار الجمهوري رقم 18 لسنة 2022، بالموافقة على تخصيص عدد 36 جزيرة نيلية، من بينها القرصاية، وجزيرة بحرية لصالح القوات المسلحة.
وبالرغم من عدم وجود أي تغيرات على الأرض أو في المجتمع حتى الآن، اصطدمت بأسئلة عدة. هل سأذهب لعملي غداً؟ هل ستبقى الأرض كما هي؟ وهل سيتغير المجتمع الساكن الذي أعمل معه؟
تعرض النظام الخاص بي إلى تحول بلا رجعة/ فتغيرت هويتي لتصبح خليطاً من حقيقتي داخل الجزيرة وخارجها، لكي يترابط النظامين(العالمين)، و يعتمدان على بعضهما البعض، ولكن ما زلت أتسائل، هل ستواجهني نقاط ضغط أخرى تجعلني أكثر هشاشة؟
جزيرة القرصاية هي نظام معقد يتكون من ترابط نظام إيكولوجي، مكون من الأرض وارتباطها بالمياه والكائنات الحية، والنظام الاجتماعي المكون من المجتمع، بكل الديناميكيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبين النظامين ترابط قوي، يتكل أحدهما على الآخر كلما تعرض لنقطة ضغط قوية، تماماً مثل أنظمتي الداخلية.
الأرض
ظهرت أرض الجزيرة في حالتها الحالية، بعد بناء السد العالي وتغيير الفيضانات جغرافية الجزيرة، وكان اسمها في ذلك الوقت جزيرة يعقوب، أما عن اسمها الشعبي، القرصاية، فهو نابع من شكلها الحالي كـ”القرصة”.
وتتكون الأرض مما يقارب 360 ألف متر مربع من المباني، والتي لا تتعدى متوسط الثلاث طوابق، وتمثل الأراضي الزراعية أكثر من 80% من مساحة الأرض. والجزء الأساسي من الجزيرة السكنية مفصول عن القرية الفرعونية بسور، جزء منعزل بلا طرق أو كباري، فقط شبكة ممرات للمشاة أو الماشية عبّدها الأهالي.
وتتميز بالتنوع البيولوجي، فكانت جزيرة القرصاية مسجلة كمحمية طبيعية في الكشوف المرفقة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1998/1969 بشأن المحميات الطبيعية.
ولكن هناك بعض المخاطر التي تقابلها الجزيرة مثل تلوث المياه والأرض بالمخلفات الصلبة والصرف الصحي، مما أثر سلباً على التنوع البيولوجي، كحياة الأسماك بالبحر، ولكن النظام الإجتماعي متمثلاً في صيادي الجزيرة، استطاع توفير بعض الدعم بمشاركة من مبادرة “ڤيري نايل Very Nile” وشركائها، في جمع المخلفات للقضاء على التلوث والمساعدة في إعادة التنوع البيولوجي بطرق طبيعية.
النظام الاجتماعي
ينقسم النظام الاجتماعي إلى ثلاث عناصر أساسية: الصيادين، الفلاحين و”السكان الخارجيين”، والعناصر الثلاثة تنقسم أيضاً على الأرض، فيسكن الصيادون الجزء الشمالي، أو البحري، معانين من التكدس في تلك المنطقة، وقبلياً تقع منطقة الفلاحين الموزعين على مساحة أوسع، لاعتمادهم على الأرض كمورد أساسي، ثم “السكان الخارجيين”، أو “السكان ذو صلات قوة خارجية” الذين يسكنون الجزيرة ولكن لديهم صلات بالعالم خارجها، لعبورهم المستمر من ناحية إلى الأخرى، ومنهم أطباء جراحين وأعضاء برلمان وفنانين ورجال أعمال ومبادرات بيئية لتنظيف النيل.
وبالرغم من الحدود المرئية والغير مرئية بين العناصر، فبينها ترابط واعتمادية.
عانى النظام الاجتماعي في الجزيرة من عدم وجود الخدمات، بدايةً من الخدمات الصحية إلى الصرف الصحي والوصول للمياه النظيفة، ولكنه استفاد من ترابط عناصره لتوفير الوصول إلى الخدمات في أوقات متعددة، ومنها محاولات تشكيل نظام مجتمعي لجمع المخلفات وتوصيلها للناحية الاخرى، أو توفير الدعم الصحي من خلال الدكتور المقيم بالجزيرة، أو من خلال إنشاء وتطوير وحدة صحية، أو توفير وصلات للمياه.
هذا النظام استطاع أيضاً مقاومة تهديدات وجودية إحداها كانت صدور قرار رقم 12051، بتوصيات من جهة سيادية، بتاريخ 24/6/2007، لإنهاء تجديد تأجير الأراضي الزراعية بنهاية السنة الزراعية.
تكاتف الأهالي وتوجهوا للجهات القضائية وتم الحكم في 2010 في طعنين رقم 5730، 7785/55 ق.ع، لصالح استقرار الأهالي في الجزيرة، ونص الحكم على حق المجتمع القائم على الزراعة والصيد في الأرض، فضلاً عن عدم مشروعية القرار السيادي بإنهاء تجديد التأجير، نتيجة لعدم التزام الصالح العام القومي، وعدم التزامه بالحفاظ على الحالة الطبيعية للجزيرة والنشاطات الصغيرة المرتبطة بحالة الجزيرة كمحمية طبيعية.
نقاط تحولية
من أكبر النقاط الحرجة والتحويلية التي تعرضت لها الجزيرة على مر السنين، هي إرتفاع مستوى المياه نتيجة للفيضانات التالية لبناء السد العالي، وما تبعها من تأثيرات على البنية التحتية، وغمر الأرض بالمياه في بعض شهور السنة في الوقت الحالي، كنتيجة مباشرة لفتح وقفل السد، وهو أمر يستطيع السكان التكيّف معه، فمن ناحية تكون بعض الأراضي اسفنجات طبيعية، تخزن المياه، ومن ناحية أخرى، يغير الفلاحون المحاصيل المزروعة حسب تغيرات الغمر.
مما هو الواضح أن هناك تشابه كبير بين تكويني وبين الجزيرة وتكوينها من نظام إيكولوجي ونظام اجتماعي، في كيفية مواجهة المخاطر والتكيّف مع الصدمات التي نقابلها، بالاتكاء على الجزء الأقوى مع كل نقطة ضغط، ولكن حين نواجه نقاط ضغط تصادم كل الأنظمة في وقت واحد، قد يكون التكييف صعباً.
على المستوى الشخصي، أتوقع أن في حالة نفاد شبكاتي الخارجية، وتغيّر المجتمع الذي أعمل معه داخل الجزيرة في آن واحد، يجعلني هشة دون أجزاء داخلي تدعمني، وهو الأمر الذي أتساءل إذا كان الضغط على أنظمة الجزيرة قد يتسبب فيه، منتجاً لنقطة تحويلية/حرجة لا رجعة منها.
اترك تعليقاً