صدام سليمان المشاقبة
تصوير: سليمان المشاقبة
أُنتجت هذه المادة ضمن “ورشة الكتابة الصحفية عن القضايا البيئية وتغير المناخ في العالم العربي” بالتعاون بين شبكة تنمو ومؤسسة جرينش وبتمويل من مؤسسة فريدريش إيبرت. الآراء الواردة في هذه المادة تعبر عن كاتبها وليست بالضرورة تعبر عن الجهات المنظمة والداعمة لورشة الكتابة.
أجبرت الظروف الأردني شاكر العدوان على هجر مزرعته الواقعة في منطقة غور الأردن، بمحاذاة ضفاف البحر الميت، والانتقال للعاصمة عمّان، للعمل في قطاع الخدمات كموظف في شركة حراسة أمنية، بعدما خسر ما يقارب عشرة آلاف دينار (14 ألف دولار أمريكي) خلال عام 2022، بسبب فساد محصول أرضه من الخضار الموسمية، نتيجة لنقص حصته من المياه.
“في كل عام يزداد الأمر صعوبة” بهذه الكلمات يصف المزارع شاكر العدوان حصوله على مياه لسقاية مزروعاته، مشيراً إلى أن نقص حصة المزارعين من المياه يكبدهم خسائر كبيرة نتيجة جفاف محاصيلهم.
بدأت أرض العدوان في الجفاف منذ 2015، عندما بدأت حصته الأسبوعية من المياه في التراجع، فبدلاً من حصوله على 240 لتراً بالثانية، لم يعد قادرًا سوى على الحصول على 150 لتراً بالثانية وهي كمية غير كافية لسقاية 10 دونمات (10 آلاف متر مربع) يمتلكها المزارع الأربعيني.
يقول العدوان لـ “المنصة”: “سلطة المياه لم تتخذ التدابير اللازمة لحماية أراضينا ولا التنسيق بين المزارعين، فلم يعد هناك عدل في توزيع الحصص”، لذلك لم يحصل العدوان على حقه القانوني في المياه، بسبب وقوع مزرعته في نهاية خط المياه بمنطقة الغور الصافي.
وتتفاوت حصة المياه المستخدمة في الزراعة، وفقاً لموقع الأرض عن خط المياه، فالمُزارع التي تقع أرضه في بداية خطوط المياه عادة ما تحصل على كمية أكبر، على عكس الواقعين في نهاية الخطوط.
أرض العدوان ليست المتضرر الوحيد من الجفاف، فنحو 355 ألف دونم من الأراضي الزراعية متضررة بالفعل وفقا وزارة الزراعة الأردنية.
وتشير استراتيجية الماء من أجل الحياة للأعوام 2008-2022، والتي أقرتها وزارة المياه والري الأردنية، إلى ضرورة زيادة المخصصات المائية لأغراض الزراعة في وادي الأردن إلى 377 مليون متر مكعب، وبينت الوزارة أن كميات مياه الري في وادي الأردن، تراجعت، حيث بلغت أقل من نصف الكمية المطلوبة في العام 2015، وبقيت دون زيادة حتى وقتنا الحالي، بسبب زيادة الطلب على مياه الشرب في المناطق المرتفعة بمحافظات المملكة من مصادر وادي الأردن.
يستهلك القطاع الزراعي 530 مليون متر مكعب من المياه سنويا، بما يشكل 52% من استهلاك المياه في الأردن، وطالب مزارعون بتوفير التقنيات الزراعية عالية التكنولوجيا بأسعار تشجيعية تساعدهم في تخفيض فاتورة المياه العالية وتوفير ما يزيد عن 60 % من مياه الري التي تذهب هدراً، بسبب الطرق الزراعية التقليدية التي يستمر العمل بها من قبل شريحة واسعة من المزارعين رغم ما يعانيه الأردن من شحٍ كبير في المياه.
وأكدت وزارة المياه والري الأردنية، على لسان الناطق الإعلامي عمرو سلامة خلال حديثه مع “المنصة”، أن الوزارة تحاول جاهدة توفير المياه لكافة المزارعين والمواطنين، موضحاً عدة العوامل المتسببة في الأزمة، ومن أهمها اعتداءات بعض المواطنين على خطوط المياه، والإسراف في استخدامها، مبيناً أن حصة المواطن الأردني السنوية تقل عن 80 متراً مكعباً لكافة الاستخدامات، فيما خط الفقر المائي العالمي هو 500 متر مكعب.
أزمة قديمة متجددة
تتشارك خمس دول مياه حوض نهر الأردن، وهي لبنان، سوريا، الأردن، فلسطين وإسرائيل، وتتدفق المياه له من ثلاث مصادر رئيسية وهي نهر الأردن الأعلى ونهر الأردن الأسفل ونهر اليرموك، حيث ويقدر حجم التدفق السنوي للمياه في نهر الأردن الأعلى 616 مليون متر مكعب من المياه، يأتي من بعده نهر الأردن السفلي بـ 200 مليون متر مكعب، فيما يبلغ حجم التدفق في نهر اليرموك 99-83 مليون متر مكعب.
ووفقًا لدراسة قامت بها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، والوكالة الفدرالية الألمانية لعلوم الأرض والموارد الطبيعية (BGR)، فإن أسباب الأزمة تنقسم تشمل التغير المناخي، والاستهلاك الجائر لمياه نهر الأردن، نتيجة لبناء سد الملك طلال الواقع شمال المملكة الأردنية، وسد الوالى الواقع جنوب البحر الميت، واستهلاك المصانع ومناجم البوتاس لكميات كبيرة من المياه.
إضافة إلى الخلافات السياسية بين دول حوض نهر الأردن (سوريا، لبنان، الأردن، وإسرائيل)، التي تمنع إيجاد حلول لإنقاذ البحر الميت و توفير المياه للأراضي الزراعية الواقعة في غور الأردن.
يتفق المدير التنفيذي لجمعية أصدقاء البيئة زيد السوالقة مع دراسة “الإسكوا”، حيث قال لـ”المنصة” إن أسباب انخفاض منسوب المياه في البحر الميت، ولكنه يؤكد وجود نقص في البيانات التي تدرس تغيير أنماط هطول الأمطار في منطقة حوض نهر الأردن، ما يعطل إيجاد حلول علمية.
مقابلة مع زيد السوالقة
وأضاف السوالقة، أن معدلات الهطول المنخفضة خلال العقود الماضية أثرت على الجريان السطحي ومستوى خزانات السدود وإعادة شحن أنظمة الخزان الجوفي. ومع ذلك، فإن دور الاستخدام المكثف للمياه في الحوض قد يفوق أي تأثير ناتج عن التغيرات المناخية.
يزيد على ذلك الناشط في مجال البيئة محمد العدوان، أن التطور الديموغرافي في حوض نهر الأردن المتمثل في موجات الهجرة بالمملكة، لعب دورًا في زيادة الطلب على المياه وبالتالي ارتفاع الاستهلاك الجائر، بالإضافة إلى حفر الآبار الارتوازية في دول المصدر(سوريا) نتيجة لضعف السلطة السياسية في سوريا بعد أحداث عام 2011.
اتفاقيات مع وقف التنفيذ
تلتزم الأردن مع دول حوض النهر، باتفاقيات دولية، فالملحق الثاني من معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل عام أكتوبر 1994، يتناول تخصيص المياه، وتخزينها، وحمايتها، وغيرها من الأمور التفصيلية.
وبحسب الاتفاقية، تستقبل إسرائيل 25 مليون متر مكعب من المياه سنويًا، منها 12 مليون متر مكعب في الصيف، و13 مليون متر مكعب في الشتاء من نهر اليرموك، بينما تستقبل الأردن بقية التدفق.
كما اتفق البلدان أيضًا على أنه يمكن لإسرائيل سحب 20 مليون متر مكعب إضافية في السنة من نهر اليرموك في الشتاء، وبالمقابل تحويل 20 مليون متر مكعب سنويا من مياه نهر الأردن إلى الأردن في فصل الصيف. بالإضافة إلى ذلك، يحق للأردن الحصول على 10 مليون متر مكعب سنويًا من المياه المحلاة.
ولكن هذه المعاهدة غامضة في عدد من بنودها، إضافة إلى عدم تنفيذ العديد منها على النحو المبين في الاتفاقية، مما يشكل ضغطاً على التعاون الإسرائيلي الأردني في مجال المياه.
وفيما يتعلق بالتشارك السوري الأردني في المياه، فقد أنشأ البلدان اللجنة العليا لحوض نهر اليرموك وفقًا للاتفاقية الثنائية لعام 1987، واتفقا عام 2009 على إنشاء ست محطات مراقبة مائية على نهر اليرموك لقياس التدفقات المائية عند منبع سد الوحدة، ولكن تلك الإجراءات توقفت بعد الأحداث السياسية التي شهدتها سوريا عام 2011 مما فاقم أزمة المياه.
آثار كارثية
خلال إحدى ليالي صيف عام 2017، سقط أحد المزارعين المهاجرين من الجنسية المصرية في حفرة انهدامية، بمزرعة يعمل بها بمنطقة غور الحديثة، ليصير ضحية أزمة مائية لم يكن يومًا سبب بها.
تتشكل هذه الحفر، بعد ذوبان الطبقة الملحية، نتيجة المياه الجوفية غير المشبعة بمادة الهاليت (المكونة من الكلوريد والصوديوم المعروفة بالملح الصخري)، وهي ظاهرة مرتبطة بانخفاض مستوى البحر الميت.
هذا الانخفاض تسبب في استبدال المياه الجوفية العذبة بالمحلول الملحي الذي كان على اتصال بالطبقة المالحة، بحسب دراسة منشورة في مجلة “البحوث الجيوفيزيائية: سطح الأرض” عام 2016 بعنوان: “ذوبان الملح وتكوين الحفر الانهدامية”.
تؤكد الدراسة أن هناك الآلاف من الحفر الانهدامية المتكونة على طول ساحل البحر الميت، وقطر تلك الحفر يتجاوز سبعة أمتار، وتُشكل تهديدًا حقيقيًا حياة المزارعين.
نتيجة زيادة عدد الحفر الانهدامية، أطلقت “جمعية أصدقاء البحر الميت” حملة توعوية للمزارعين، تهدف الحملة إلى زيادة وعي سكان الأغوار والمزارعين بخطوة تلك الحفر، ولكن الحملة توقفت بعد ثلاثة أشهر من إطلاقها بسبب نقص التمويل وفقا لمدير الجمعية الأستاذ زيد السوالقة.
يقول الناشط البيئي في منطقة غور الأردن محمد العدوان لـ “المنصة”، إن القطاع الزراعي الأكثر تأثرا سلباً نتيجة أزمة البحر الميت، مؤكدًأ أن الزراعة تعتبر القطاع الاقتصادي الأهم في المنطقة، بسبب خصوبة الأراضي وإمكانية زراعة مختلف المحاصيل في مواسم الشتاء والصيف.
وفقا لوزارة الزراعة الأردنية، فقد تناقص عدد المزارعين في غور الأردن من 295 ألف إلى 210 آلاف، فيما يبلغ إجمالي عدد العمال الوافدين في الاردن الحاصلين على تصاريح عمل زراعية نحو 310 آلاف معظمهم من الجنسية المصرية، بينما تقدر الحكومة الأردنية عدد العمال الوافدين العاملين في الأردن بمختلف القطاعات الزراعية والخدماتية والانشائية نحو مليون عامل ومزارع وافد.
يؤكد ذلك، رئيس اتحاد مزارعي غور الأردن، عبد الحليم خدام، قائلًا: “إن عدد المزارعين المهاجرين في تناقص مستمر والذي وصل لنسبة 30%، ومعظمهم من الجنسيتين المصرية والباكستانية”.
تتحدث الجمعيات البيئية المحلية والدولية عن تقصير من قبل المجتمع الدولي تجاه البحر الميت، حيث أشار “السوالقة” إلى أن كثير من مبادرات “جمعية أصدقاء البحر الميت” توقفت بسبب نقص الدعم، لافتا إلى أن هذه الأزمة تتطلب تكاتف وتعاون بين المنظمات الدولية والدول الإقليمية والعالمية لإنقاذ نهر الأردن.
ولكن رغم تعدد أسباب انحسار البحر الميت، وتناقص حصص المياه، إلا أن النتيجة تبقى واحدة على العاملين في القطاع الزراعي بمنطقة غور الأردن. فشاكر الذي ترك عمله مازال يأمل في البحث والوصول لحل لإنقاذ أرضه وأرض البحر الميت من الجفاف.
اترك تعليقاً